سيول العراق.. أمطارٌ مُنتظرة تتحوّل لكارثة إنسانية وتتسبب في مقتل عدة أشخاص

سيول العراق.. أمطارٌ مُنتظرة تتحوّل لكارثة إنسانية وتتسبب في مقتل عدة أشخاص
سيول في العراق

أغرقت موجة أمطار غزيرة، طال انتظارها في العراق، مناطق واسعة من البلاد خلال يومين متتاليين، متسببةً بسيول مميتة أودت بحياة عدد من المدنيين، وانهيار بنى تحتية رئيسية، وتهجير عشرات العائلات، في الوقت الذي أحيت فيه تلك الأمطار الآمال بإحياء الخزين المائي الذي وصل إلى أدنى مستوياته منذ عقود.

ورغم أن العراقيين نظروا إلى الأمطار بوصفها بارقة أمل في مواجهة الجفاف المتواصل، فإن السيول كشفت، مرة أخرى، ضعف البنية التحتية المدنية وغياب خطط الطوارئ، ما حوّل الأمطار من نعمة طال انتظارها إلى كارثة إنسانية تهدد حياة السكان واستقرارهم اليومي، بحسب ما ذكرت وكالة “فرانس برس”، اليوم الأربعاء.

وأدت السيول في شمال العراق، إلى وفاة ثلاثة أشخاص على الأقل، بينهم امرأة ورجل مسن في مدينة جمجمال بمحافظة السليمانية، إضافة إلى طفلة لقيت حتفها في محافظة كركوك بعد أن جرفتها السيول قرب منزلها.

وبحسب شهادات ميدانية نقلها مراسلو وكالة فرانس برس، فإن السيول اجتاحت البيوت بسرعة كبيرة، وهو الأمر الذي لم يمنح العائلات فرصة للنجاة أو حماية أطفالها.

وتشير المنظمات الحقوقية المحلية إلى أن الأكثر تضرراً من هذه الموجة هم العائلات الفقيرة التي تعيش في بيوت غير مجهزة بوسائل حماية، أو في مناطق منخفضة تتجمع فيها مياه الأمطار بسهولة.

عزل مناطق كاملة

في تطور خطير يعكس هشاشة المنشآت الحيوية، انهار جزء كبير من جسر رئيسي في طوزخورماتو يوم الأربعاء، وهو طريق يربط بين كركوك وبغداد ويُعد شرياناً مهماً لحركة المسافرين والبضائع.

هذا الانهيار عطّل حركة المرور لساعات طويلة، وتسبب في عزل مناطق ريفية وسكانية، ما ضاعف من معاناة المرضى وكبار السن الذين يعتمدون على الطرق السريعة للوصول إلى المستشفيات.

وفي مدينة الحلة جنوب البلاد، غرقت شوارع كاملة بالمياه ودخلت الفيضانات إلى منازل المواطنين، ما أدى إلى إتلاف أثاث وممتلكات أساسية، وفقدان كثير من العائلات لمصادر التدفئة والطعام.

ووفق شهادات ميدانية، فإن غياب شبكة صرف صحي ملائمة جعل الأمطار تتحوّل إلى سيول داخل الأحياء، ما عرّض السكان لمخاطر صحية، خاصة مع اختلاط مياه الأمطار بمياه الصرف غير المعالجة.

مخزون مائي ينتعش

على الجانب الإيجابي، أكد مدير عام هيئة السدود والخزانات، علي راضي ثامر، أن الأمطار الحالية ستسهم في تعزيز الخزين المائي الذي وصل قبل أشهر إلى أقل من 7% من القدرة الاستيعابية للسدود.

وأوضح أن ارتفاع الإيرادات المائية يُعد خطوة مهمة، لكنه غير كافٍ لتعويض سنوات الجفاف المتتالية.

وفي إقليم كردستان، أشار مدير عام السدود رحمان خاني إلى ارتفاع منسوب المياه بشكل ملحوظ، منها متر ونصف في سد دربنديخان خلال 48 ساعة فقط، وهو رقم لم يُسجّل منذ سنوات.

في قلب أزمة مناخية

يُعد العراق واحداً من أكثر دول العالم تأثراً بتغيّر المناخ، فمواسم الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة، وتراجع الأمطار، وانحسار الأنهر، كلها عوامل أسهمت في جعل البلاد بيئة هشّة أمام أي موجة مطر.

وإلى جانب التغير المناخي، تواجه بغداد أزمة تشديد مائي من تركيا وإيران اللتين أقامتا سدوداً ضخمة أثرت بشكل مباشر على نهري دجلة والفرات، ما أدى إلى انخفاض منسوب المياه بنسب غير مسبوقة.

ويشير خبراء حقوقيون إلى أن الكارثة التي شهدتها المدن العراقية لم تكن نتيجة المطر وحده، بل نتيجة ضعف البنى التحتية، وغياب خطط إدارة الكوارث، وتهالك شبكات الصرف الصحي، وعدم وجود تحذيرات مبكرة فعالة.

وتقول منظمات إنسانية إن حق المواطن في بيئة آمنة، وفي الحصول على الخدمات الأساسية التي تحميه وقت الكوارث، هو جزء من الحقوق الأساسية التي يجب أن تلتزم بها الحكومات.

دعوات لتحرك عاجل

طالبت منظمات إنسانية وحقوقية الحكومة العراقية بضرورة تعويض العائلات المتضررة فوراً، وإعادة تأهيل الجسور والطرق المتضررة، ووضع خطة وطنية طارئة لإدارة السيول، وتعزيز نظام الإنذار المبكر في كل المحافظات، ومعالجة أزمة الصرف الصحي التي كشفتها الأمطار.

كما شددت على ضرورة الضغط الدبلوماسي على الدول المجاورة لضمان عدالة التوزيع المائي، باعتبار المياه حقاً إنسانياً لا يمكن المساس به.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية